فصل: بصيرة في: {الر كتاب أنزلناه إليك}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم




.سورة إبراهيم:

.فصول مهمة تتعلق بالسورة الكريمة:

.فصل في فضل السّورة:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
ذكروا فيه أَحاديث ضعيفة واهية.
منها: «مَن قرأَ سورة أُعْطِي من الأَجْر عشرَ حسنات، بعدد كلّ مَن عبد الأَصنام، وعدد من لم يعبدها».
وفي لفظٍ: «أُعطي بعدد مَن عبد الأَصنام مدينةً في الجنَّة، لو نزل بها مثلُ يأْجوج ومأْجوج لوسِعتهم ما شاءُوا من اللِّباس، والخَدَم، والمأْكول، وسائر النِّعم، وحرم عليهم سرابيل القطِران، ولا تغشى النّارُ وجهه، وكان مع إِبراهيم في قباب الجنان، وأُعْطِى بعدد أَولادِ إِبراهيم حسنات وجردات».
وحديث عليّ: «يا علي مَن قرأَ سورة إِبراهيم كان في الجنَّة رفيق إِبراهيم، وله مثلُ ثواب إِبراهيم، وله بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب إِحق بن إِبراهيم». اهـ.

.فصل في مقصود السّورة:

.قال البقاعي:

مقصود السورة التوحيد، وبيان أن هذا الكتاب غاية البلاغ إلى الله، لأنه كافل ببيان الصراط الدال عليه المؤدى إليه.
ناقل- بما فيه من الأسرار- للخلق من طور إلى طور- بما يشير إليه حرف الراء، وأدل ما فيها على هذا المرام قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أما التوحيد فواضح، وأما أمر الكتاب فلأنه من جملة دعائه لذريته الذين أسكنهم عند البيت المحرم من ذرية إسماعيل عليه السلام: {ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلوا عليهم آياتك وبعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم} [البقرة: 129]. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في: {الر كتاب أنزلناه إليك}:

السّورة مكيّة إِجماعًا، غير آية واحدة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} الآية.
وعدد آياتها خمس وخمسون عند الشاميّين، واثنتان عند الكوفيّين، وأَربع عند الحجازيّين، وواحدة عند البصريّين، وكلماتها ثمانمائة وإِحدى وثلاثون.
وحروفها ستَّة آلاف وأَربعمائة وأَربع وثلاثون.
والآيات المختلف فيها سبع: {إِلَى النُّوْرِ}، وعاد، وثمود، {بِخَلْقٍ جَدِيْدٍ}، {وَفَرْعُهَا فِيْ السَّمَاءِ} {الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ} {عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}.
مجموع فواصل آياتها آدم نظر، صبّ ذلّ.
وتسمّى سورة إِبراهيم؛ لتضمُّنها قصّة إِسكانه ولده إِسماعيل بواد غير ذي زرع، وشكره لله تعالى على ما أَنعم عليه من الولدّيْن: إِسماعيل بواد غير ذي زرع، وشكره الله تعالى على ما أَنعم عليه من الولدَيْن: إِسماعيل وإِسحاق.

.مقصود السّورة:

بيان حقيقة الإِيمان، وبرهان النبوّة، وأَن الله تعالى أَرسل كلّ رسول بلغة قومه، وذِكر الامتنان على بني إِسرائيل بنجاتهم من فرعون، وأَنَّ القيام بشكر النّعم يوجِب المزيد، وكفرانها يوجب الزّوال، وذكر معاملة القرون الماضية مع الأَنبياءِ، والرّسل الغابرين، وأَمر الأَنبياءِ بالتَّوكُّل على الله عند تهديد الكفَّار إِيّاهم، وبيان مَذلَّة الكفَّار في العذاب، والعقوبة، وبطلان أَعمالهم، وكمال إِذلالهم في القيامة، وبيان جَزعهم من العقوبة، وإِلزام الحجّة عليهم، وإِحال إِبليس اللاَّئمة عليهم، وبيان سلامة أَهل الجنَّة، وكرامتهم، وتشبيه الإِيمان والتَّوحيد بالشَّجرة الطَّيّبة وهى النخلة وتمثيل الكفر بالشَّجرة الخبيثة وَهى الحنطة وتثبيت أَهل الإِيمان على كلمة الصّواب عند سؤال منكَر ونكير، والشكوى من الكفَّار بكفران النِّعمة، وأَمر المؤمنين بإِقامة الصّلوات، والعبادات، وذكر المِنَّة على المؤمنين بالنِّعم والسّابغات، ودعائه إِبراهيمُ بتأْمين الحَرَم المكِّي، وتسليمه إِسماعيل إِلى كرم الحَقِّ تعالى.
ولطفه وشكره لله على إِعطائه الولد، والتهديد العظيم للظَّالمين بمذلَّتهم في القيامة، وذِكْر أَن الكفار قُرناءُ الشياطين في العذاب، والإِشارة إِلى أَنَّ القرآن أَبلغ وعظ، وذكرى للعقلاءِ في قوله: {هذا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ} إِلى آخر السّورة.
والسّورة خالية عن المنسوخ في قول. وعند بعضهم: {فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} م: {فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} ن. اهـ.

.فصل في التعريف بالسورة الكريمة:

.قال محمد أبو زهرة:

تمهيد:
سورة إبراهيم مكية إلا الآيتين 28، 29، وعدد آياتها اثنتان وخمسون آية، وسميت سورة إبراهيم لما فيها من قصص إبراهيم وولديه إسماعيل وإسحاق، وسكن إسماعيل وذريته بجوار بيت الله المحرم، ولكن لم يتخذ شخص إبراهيم عليه السلام محور السورة، كما كان الشأن في سورة يوسف عليه السلام.
ابتدئت السورة الكريمة بالحروف المجردة وهى: {الر} ثم ذكر الكتاب الكريم وأن الله أنزله ليخرح الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد، وذكرت السورة ملك الله للسموات والأرض وما فيهما، وأن الويل للكافرين بآياته الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، ويصدون عن سبيل الله تعالى ويبغونها معوجة، وأولئك في ضلال مبين.
ويذكر الله سبحانه أنه ما أرسل من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم، فيضل الله من يشاء ويهدى من يشاء، وهو العزيز الحكيم.
وبعد ذلك يشير الله سبحانه إلى طرف من قصة موسى وقومه، فيذكر سبحانه على لسان موسى بنعمته عليهم إذ أخرجهم من آل فرعون يسومونهم سوء العذاب، ويبين سبحانه وتعالى أنهم إن شكروا زادهم نعما على نعم، ويقول موسى لقومه {... إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)}.
ويشير سبحانه من بعد ذلك إلى أبناء قوم نوح وعاد والذين من قبلهم لا يعلمهم إلا الله، جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم، وعضوها غيظا، وقالوا إنا بما أرسلتم به كافرون، وإنا لفى شك مما تدعوننا إليه مريب.
ويحكى سبحانه وتعالى دعوة الرسل عامة، ومجاوبة المشركين المتشابهين عامة، قالت لهم رسلهم: {... أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلئ أجل مسمى...} فيرد عليهم الكافرون وهو رد متحد عند الكافرين جميعا، قد انبعث عن جحود واحد فاتحد.. قالوا: {... إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين}. وكان رد الرسل واحدا... إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون، وقد قرروا أنهم لا يتوكلون إلا على الله، وليصبرن على أذى أقوامهم.
ولقد كان الإيذاء متحدا من الكافرين، إذ اتحد السبب المنبعث منه وهو الجحود، وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد.
وإنه من بعد ذلك الخزى في الحياة الدنيا يكون العذاب الشديد، {... ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه...} وقد مثل الله تعالى أعمال الذين كفروا في الكفر بأن {... أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد}.
ثم بين بعد ذلك خلق السموات والأرض {... إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز}، وقد صور الله سبحانه وتعالى حالهم يوم القيامة، إذ تجادل الضعفاء والذين استكبروا {وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ (21)} ويدخل الشيطان في المجادلة فيقول: {... إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)}.
وقد ذكر سبحانه بعد ما كان بين المشركين ضعفاء ومستكبرين والشيطان، ذكر سبحانه وتعالى إدخال المؤمنين الجنة.
{وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ (23)}.
وقد ضرب سبحانه مثلا يفرق بين الإيمان والكفر بالفرق بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة، فالكلمة الطيبة... كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، والكلمة الخبيثة... كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء.
وذكر سبحانه أن حال الكافرين حال عجيبة تثير الاستفهام، فقد {... بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار} وذلك لأنهم جعلوا لله أندادا من الحجارة، وقد صاروا بذلك غير مدركين حقائق أمورهم، وجديرون بأن يقال لهم {... تمتعوا فإن مصيركم إلى النار وذكر في مقابل ذلك المؤمنين الذين لم يبدلوا نعمة الله كفرا ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلال}.
ولقد ذكر الله نعمه على خلقه، فهو {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ (32) وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}.
ولقد ذكر الله تعالى بعد ذلك خبرا صادقا عن إبراهيم أبى العرب، وكيف كان يدعو الله ولا يعبد الأصنام، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36)} وأخذ يدعو لذريته في البلاد العربية بسعة الرزق فقال: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء (38) الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحاَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)}.
ذكر الله سبحانه وتعالى أدعية إبراهيم ليكون ذلك تذكيرا لذريته من العرب، ليتركوا الأوثان ويتجهوا إلى الضراعة إلى الله تعالى كضراعة جدهم أبى الأنبياء إبرهيم.
ولقد بين سبحانه وتعالى بعد ذلك أن الله لا يخلف وعده رسله يوم القيامة، فقال عز من قائل: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء (43)}
وقد أمر الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن ينذر قومه بيوم القيامة، وبما كان قد نزل بمن قبلهم، فقال تعالى: {وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ (44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)}.
ولقد حذر الله تعالى من نزول وعده، وذكر سبحانه أنه في يوم القيامة يكون الجزاء، تجزى فيه كل نفس بما كسبت إن الله سريع الحساب. {هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

سورة إبراهيم:
أضيفت هذه السورة إلى اسم إبراهيم عليه السلام فكان ذلك اسما لها لا يعرف لها غيره.
ولم أقف على إطلاق هذا الاسم عليها في كلام النبيء صلى الله عليه وسلم ولا في كلام أصحابه في خبر مقبول.
ووجه تسميتها بهذا وإن كان ذكر إبراهيم عليه السلام جرى في كثير من السور أنها من السور ذوات: {ألر}.
وقد ميز بعضها عن بعض بالإضافة إلى أسماء الأنبياء- عليهم السلام- التي جاءت قصصهم فيها، أو إلى مكان بعثة بعضهم وهي سورة الحجر، ولذلك لم تضف سورة الرعد إلى مثل ذلك لأنها متميزة بفاتحتها بزيادة حرف ميم على ألف ولام وراء.
وهي مكية كلها عند الجمهور.
وعن قتادة إلا آيتي: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} إلى قوله: {وَبِئْسَ الْقَرَارُ} [سورة إبراهيم: 28]، وقيل: إلى قوله: {فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} [سورة إبراهيم: 30].
نزل ذلك في المشركين في قضية بدر، وليس ذلك إلا توهما كما ستعرفه.
نزلت هذه السور بعد سورة الشورى وقبل سورة الأنبياء.
وقد عدت السبعين في ترتيب السور في النزول.
وعدت آياتها أربعا وخمسين عند المدنين وخمسين عند أهل الشام، وإحدى وخمسين عند أهل البصرة.
واثنتين وخمسين عند أهل الكوفة.
واشتملت من الأغراض على أنها ابتدأت بالتنبيه إلى إعجاز القرآن، وبالتنويه بشأنه، وأنه أنزل لإخراج الناس من الضلالة.
والامتنان بأن جعله بلسان العرب.
وتمجيد الله تعالى الذي أنزله.
ووعيد الذين كفروا به بمن أنزل عليه.
وإيقاظ المعاندين بأن محمد صلى الله عليه وسلم ما كان بدعا من الرسل.
وأن كونه بشرا أمر غير مناف لرسالته من عند الله كغيره من الرسل.
وضرب له مثلا برسالة موسى عليه السلام إلى فرعون لإصلاح حال بني إسرائيل وتذكيره قومه بنعم الله ووجوب شكرها وموعظته إياهم بما حل بقوم نوح وعاد ومن بعدهم وما لاقته رسلهم من التكذيب.
وكيف كانت عاقبة المكذبين.
وإقامة الحجة على تفرد الله تعالى بالإلهية بدلائل مصنوعاته وذكر البعث وتحذير الكفار من تغرير قادتهم وكبرائهم بهم من كيد الشيطان وكيف يتبرأون منهم يوم الحشر ووصف حالهم وحال المؤمنين يومئذ.
وفضل كلمة الإسلام وخبث كلمة الكفر ثم التعجيب من حال قوم كفروا نعمة الله وأوقعوا من تبعهم في دار البوار بالإشراك والإيماء إلى مقابلته بحال المؤمنين.
وعد بعض نعمة على الناس تفضيلا ثم جمعها إجمالا.
ثم ذكر الفريقين بحال إبراهيم عليه السلام ليعلم الفريقان من هو سالك سبيل إبراهيم عليه السلام ومن هو ناكب عنه من ساكني البلد الحرام وتحذيرهم من كفران النعمة.
وإنذارهم أن يحل بالذين ظلموا من قبل.
وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم بوعد النصر.
وما تخلل ذلك من الأمثال.
وختمت بكلمات جامعة من قوله: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ} [سورة إبراهيم: 52] إلى آخرها. اهـ.